من طرف الناصر الثلاثاء يناير 12, 2010 7:49 pm
نهض (زيد) بروح العزيمة...والبشرى لا تفارق وجهه..وهو يردد أعدك ..أعدك
فاستدا ر بجسده ليسلك الطريق إلى منزله النائي ...متناسياً تلك المشاهد المؤلمة التي مرت به...ليستجمع قواه الفكريه ..كي يستغل فترة الطريق ؛في تحديد أهدافه المرحليه ..واستحضار الكتب التي سيقرأها ..
ثم ينظم وقته بين القراءة , والمذاكرة , والأعمال الأخرى ...وسواءٌ ؛ الدراسة الجامعية ؛ والتي عزم على الإلتحاق بأحد كلياتها ....والدراسة المسجديه ؛والتي عاهد مدرسه ان يهتم بها ..؛ ليكون يوماً ما عالماً ربانياً ...ودكتوراً متألقاً ..يبني نفسه ..ويخدم أمته ..
وهكذا ظلت الأفكار المنسجمة ..والترتيبات المنظمة ..تراود فكره التائه ...حتى أخذته نغمةٌ موسيقية ؛تحمل في طياتها الأمل ...وتنبعث منها تباريح الحياة ..ظل ّ يرددها طوال طريقه إلى المنزل بصمتٍ خاشع :
(سأكون عالماً ربانياً ؛ أُنير للناس دروب الحياة.. ولن يوقفني دونها أحد!!!)
حتى وصل إلى منزله ..فدخل بسكون تام ؛.. والسكينة والوقار تكاد تتمثل فيه بأسمى معانيها ..
فابتدر أهله بكل خشوع : السلام عليكم ..
فردت عليه أخته الصغرى ؛ بإعجاب يكاد يطويها ..من هذا المنظر الذي بدا على أخيها الأكبر ؛ بأبهى حلل الصفا...وكأن نور الصباح قد نسجت مغازلها على ذاته المتألقة ..ونسائم الأسحار قد سكنت في روحه الرقيقة ..
حتى دخل عليها( بزيد )آخر غير( زيد) الذي تعرفه !!!
فظلت تردد بدهشة طارئة : وعليك السلام ...وعليك السلام ...وعليك السلام!!!
حتى نسيت ان تخبره أن خاله منتظر له في الجوار ..بعد أن ألح عليها بشدة ..فوثبت لتخبره..لكن خاله كان قد أدرك دخوله ....فناداه قبل أن يدخل غرفته بصوت مرتفع :
-زيد ......زيد..
- إلتفت زيد : أهلاً ...بك خالي ...
-أين كنت !!
-في المسجد ..!!!
-أيُّ مسجد !!
- مسجد(...............)...!!
تمعض وجه خاله بشكل يبعث على الحيرة ...وبدء يرفع صوته:
-من هداك إلى ذالك المسجد!!!
فأجاب زيد بصوت ٍ هادئ ؛ تصعدت بنبرةٍ من القلق :
-والدي !!!
-ولماذا!!!
-لأطلب العلم ..!!
-أيُّ علم !!
حدق زيد في وجه خاله بصمت تحمل في طياتها ملامح التوجس ؛فقد أدرك مايرمي إليه خاله من هذه الأسئلة المقصودة ...
-أجبني يازيد . .. أيُّ علم!!!
أستجمع زيد قواه ..فأجاب بكل ثقة :
-خالي ..قبل أنت أجيبك ...أريدك أن تخبرني عن هذه الحدة التي بدت عليك ..وكأنك تسألني : عن معصرة خمر , أو مرقص ؛ كنتُ فيه !!!
أستجمع زيد أنفاسه المتلاحقة ..ثم قال :
-خالي ..أنا قلت : أنني كنت في المسجد ؛ أطلب العلم ..ولم أقل : أنني كنتُ في شارع جمال , أو في حدة ؛.أُغازل النساء وأُلا حقهن ؛ حتى تسألني بهذا الشكل !!!
ظهرت على خاله ملامح الخجل ...فقال بتلكلكٍ طرأ عليه :
-لم أقصد ...لم أفصد أفهمني ..يا زيد...وإنما كان الدافع لهذه الأسئلة هو خوفي عليك من ..
قاطعه زيد:
-خوفك عليَّ من ماذا !!
- خوفي أن تؤثر هذه الدراسة على دراستك الجامعية !!
-لماذا...وهل هناك تناقض بين الدراستين ؟!!
-لا ...لا ..ولكن ستأخذ وقتك ..!
-أيُّ وقت ..وانا لا أذهب إلى المسجد إلا بين المغرب والعشاء !!
صمت خاله قليلاً صمت الحائر النهزم ثم قال :
-زيد ..أنا خالك ولا أريد إلا مصلحتك !!
- أيُّ مصلحة ...فأنا لم أفهمك إلى اللحظة هذه !!
-يابزي ...كل ما أتمناه هو ان تتوظف في أسرع وقت ...لكي تتزوج ..وتكون قدَّ المسئولية ..فإن قرائتك في المسجد لايمكن أن توفر لك الوظيفة أو تزوجك !!
فرد عليه زيد وعليه ملامح الأفتلاج :
-ليس لديأيَّ مانع من كل هذا !! سأتوظف ..وأبني منزلاً ..وأتزوج ..ولكن مادخل هذه الاشياء في طلب العلم !!
أراد خاله أن يتكلم لكنه أسرع مقاطعاً:
-أمرك عجيب يا خال ..في البداية تحثني على إكمال دراستي الجامعية ..وبعدها تحثني على الوظيفة والزواجة ..وكانني أعرض عنها بشدة فجئتَ لتقنعني بها!!...فأرجو منك ياخال ان تفصح عما في قلبك ..إن كان هناك ماتخفيه عني!! قل لي : هل أخبرك أحدٌ بشئٍ عن هذا المسجد ؟!
شعر خاله أن زيداً قد أدرك بما يرمي إليه .. فأجاب بكل هدوء:
-نعم يازيد!!!!
-وبماذا!!
-نصحني أحد المطلعين على أحوال هذا المسجد ..أن أخرجك منه بطريقةٍ أو بأخرى !!!
- ولماذا !!
-قال لي : إن هذا المسجد تابعٌ لإحدى (الطوائف المتمردة) , وأنه يعدُّ قاعدة لهم ...فهم لا يقرأون فيه وإنما (يتدربون على السلاح)!!!
أنفجر زيد ضاحكاً وهو يقول :
- وما أدرى هذا الناصح الشفيق ؟! فهل إلتحق بإحدى حلقات هذا المسجد ؟!!
- لا ..لا ..وإنما قال : إنه سمع محاضرة لأحد المشائخ يحذر من هذا المسجد !!
- وما ادرى هذا الشيخ بهذه المعلومات الدقيقة !!!
- لا أدري ..وربما أنه سمع من أحدهم بهذا !!
- خالي العزيز...لماذا نصدق كلما سمعناه دون أن نتحقق من صحة الخبر بأمِّ أعيننا ..فنكون ممن قال الله (لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً)..فلماذا لا نظن خيراً عندما نسمع أيّ خبر كان حتى نتحقق من صحة مايقال بأم أعيننا ...لكي لا ندخل في الباطل ؛كما قال أمير المؤمنين علي :بين الحق والباطل أربع بنان : الحق أن تقول : رأيت , والباطل أن تقول : سمعت .
فلو جئت معي غداً إلى المسجد لعلمت أن كل مايقال: باطل ، ولن ترى إلا حلقات الدرس والتدريس !!!
نظر إليه خاله نظرة أعجاب ....بعدما تغيرت تلك الافكار الواهمة ..ألتي تسللت إلى ذهنه من ألسنة الخاطئين ..الذين لم يكلفوا أنفسهم حتى النظر إلى شكل المسجد الخارجي ..فضلاً عما يدور بداخله ...فكالوا الإتهامات عليه كيلاً ..واتهموه غيباً ...إما لمصلحة ، أو لغيرها ..ونسوا قول الله تعالى ( يائّها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنباٍ فتبينوا ان تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) ..
- فقال والبسمة تعلو وجهه : أعدك يا(زيد) أن آتي إلى هذاالمسجد ..وارى بأم عيني ..اعدك أعدك ...
ودع زيد خاله بحرارة فائقة ...ثم دخل إلى غرفته ؛ ليهدأ من هذا اليوم الشاق العصيب ...فأخذ نفساً عميقاً ليسترجع بعض الهواء الذي فقده من تكالب هذا الزمان عليه ...ثم رمى بنفسه على سريره وهو يقول ( هذه أول عقبة أتجاوزها في رحلتي العلمية)....!!!!!!!
عدل سابقا من قبل الناصر في الثلاثاء يناير 26, 2010 6:32 pm عدل 1 مرات