منتديات البصائر الإسلامية



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات البصائر الإسلامية

منتديات البصائر الإسلامية

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

.::: بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةً :::.


    مقتبس من كتاب احذروا الايدز الحركي لفتحي يكن

    ليث العرين
    ليث العرين
    عضو متقدم


    ذكر عدد الرسائل : 75
    العمر : 35
    العمل/الترفيه : طالب علم
    الدوله : مقتبس من كتاب احذروا الايدز الحركي لفتحي يكن YemenC
    اضف نقطة : 1
    تاريخ التسجيل : 12/12/2007

    مقتبس من كتاب احذروا الايدز الحركي لفتحي يكن Empty مقتبس من كتاب احذروا الايدز الحركي لفتحي يكن

    مُساهمة من طرف ليث العرين الأحد أبريل 20, 2008 3:28 pm

    مقتبس من كتاب احذروا الايدز الحركي لفتحي يكن

    ظاهرة التمزق على الساحة الاسلامية

    أسباب التمزق
    1 ـ جماهيرية العمل:
    اعتمدت هذه الفئات في دعوتها للإسلام النمط الجماهيري، وصولاً إلى خلق تيار إسلامي عام، وبتعبير خاص (نقل الإسلام من الحالة التنظيمية وجعله حالة شعبية)..
    ولقد كان هذا المنحى قاسماً مشتركاً بينها جميعاً، حيث كانت هذه الفئات تأخذ على (الحركة الإسلامية) تشبثها بالعُقد والقيود والتنظيمية وتمحور العمل في إطار التنظيم. علماً بأن هذه الفئات تحولت بعد فترة قصيرة من قيامها إلى صيغة تنظيمية وبُنية حزبية جديدة.
    والحقيقة أن اعتماد السياسة الجماهيرية منذ اللحظة الأولى لنشأة هذه الفئات لم يترك لها مجالاً لتكوين بنيتها التنظيمية وأجهزتها العاملة الفاجرة على ضبط وتوجيه الشرائح الشعبية الملتحقة بها.. والعمل الجماهيري يمكن أن يكون ناجحاً إذا أمكن ضبطه وترشيده واستيعابه..
    ولقد تسبب العمل الجماهيري ـ لدى هذه الفئات ـ إلى ولوج عناصر شتى إلى صفها، بل إلى مواقع مهمة وخطيرة فيها..
    ـ من هؤلاء من ليس لديه أدنى فهم للإسلام، حتى ما ينبغي أن يعرف من الدين بالضرورة.
    ـ ومنهم من دخل الساحة لغاية في نفسه، مادية أو سياسية أو أمنية إلخ..
    ـ ومنهم من اكن عيناً عليها يرصد تحركاتها ويستطلع أسرارها ويسبر أغوارها.. وهكذا أصبح جمهور الساحة الإسلامية في فترة من الفترات، خليطاً متناقضاً متفاوتاً في ولائه للإسلام وللحركة، مما جعل (الجماهيرية) عبئاً على الحركة وعامل إيذاء يومي لها ولسمعتها..
    2 ـ الاهتمام بالشعار:
    إن النمط الجماهيري في العمل يعتمد عادة على الشعار أكثر من المضمون، وذلك لسهولة نقله وتداوله.. والحركات التي لاتتمكن من تحويل الشعار إلى مضمون، وترجمة الشكل إلى محتوى تفقد قيمتها وفاعليتها، وتكون بالتالي أعجز عن تحقيق أهدافها الكبرى والبعيدة...
    والإسلام ركز اهتمامه على المضمون والمحتوى من غير إغفال للشعار والشكل، وكما أنه حرص على تحقيق نصاعة ونظافة المظهر والجوهر إلا أنه اختص الجوهر باهتمام أكبر... فمن قوله تعالى: (وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم، وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صبيحة عليهم..) ]المنافقون: 4[ ومن قول الرسول الأعظم (ص): (إن الله لاينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم).
    والفئات الإسلامية هذه، أولت الشعار الاهتمام الأكبر، ولم تتمكن من ترجمة الشعار إلى فعل عمل يومي يراها لناس ويلمسونه.. بل كان العمل في كثير من الأحيان مخالفاً للشعار متعارضاً مع المظهر.. وكان هذا من أشد عوامل الهدم في جسم الحركة..
    3 ـ الاهتمام بالكم:
    ومن الأمراض الفتاكة التي تصيب الحركات عموماً ـ والتي أصابت هذه الفئات ـ انشغالها بالكم عن الكيف، وانصرافها إلى توسعة رقعة انتشارها بدل تركيز هذا الانتشار وتأصيله وتجذيره..
    والإسلام على عكس هذا تماماً، فقد اهتم بالنوع لا بالعدد، وشغل باستنهاض القيم في الإنسان والإرتقاء به في مدارج الكمال البشري، ولم يكن همه يوماً تكديس الأفراد للوصول إلى رقم أكبر!!.
    ويوم بدر انتصرت النوعية الجيدة على قتلها، بينما انهزمت الكثرة في حنين حيث خالطها شيء من رياء، ليتأكد من ذلك، أن النصر للمؤمنين ولو كانوا قلة، وأن وارثة الأرض لعباد الله الصالحين: (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون) ]الأنبياء: 105[.
    ولم يكن الكم يوماً إلا عبئاً على الحركة الإسلامية، لأن الكم مرتبط دوماً بمتاع الحياة الدنيا حيث جاء وصفه في قول الله تعالى: (زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث، ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب..) ]آل عمران: 14[.
    4 ـ غلبة الاهتمام العسكري:
    ومن الظواهر التي اتسمت بها هذه الفئات غلبة الاهتمام العسكري لديها على أي اهتمام آخر...
    وهذا ما دفع بالشباب اليافع والمراهق ـ الذي يهوى حمل السلاح ـ إلى الالتحاق بالساحة الإسلامية.. بل هذا ما أغرى حملة السلاح وتجاره من قبضايات الأحياء وأصحاب السوابق والمنافع المختلفة بركوب الموجة والاحتماء بغطائها والضرب بسيفها..
    والحقيقة أن القوة العسكرية سلاح ذو حدين، إن لم يُضبط ويحسن استعماله، كان وبالاً على أصحابه، وبخاصة إن كان هذا السلاح بيد غير أمينة، ومع أناس لايخافون الله ولا يتقونه..
    لقد تسببت هذه الظاهرة بممارسات شاذة على الساحة الإسلامية، حيث استخدمت القوة العسكرية في الاعتداء على أموال الناس وممتلكاتهم، ووظفت في سبيل تحقيق المصالح والمنافع الشخصية.. فكم من بيوت أخليت بقوة السلاح.. وكم من عقارات اشتريت ـ بأثمان بخسة ـ بقوة السلاح.. وكم من كرامات ديست ومقامات أهينت بقوة السلاح!!.
    ثم إن امتلاك القوة العسكرية قبل امتلاك القوة الإيمانية، والكفاءة الخلقية، والوعي السياسي، والانضباط التنظيمي، مدخل نفسي إلى كل الآفات النفسي، كالعجب والغرور والاستعلاء، وهي من الصفات التي يجب أن ينأى الإنسان العادي عنها، فكيف بمن نصب نفسه داعية للإسلام وعاملاً على ساحته!!.
    والحركة التي تسكرها مظاهر القوة، وتخدعها الأعداد الكبيرة من المؤيدين، تندفع بغير وعي إلى امتلاك الساحة والتحكم فيها، وإخلائها من كل قوة أخرى ولو كانت إسلامية. ذلك أن الحركة ـ ذات النزعة العسكرية ـ تحرص على الانفراد بساحة العمل، وعلى تصفية كل المنافسين ولو كانوا حلفاء مرحلة أو أنصار قضية!.
    من هنا كان لابد للقوة العسكرية من أن يحكمها الشرع، ويلجمها العقل.
    5 ـ علانية كل شيء:
    ومن الأخطاء التي ارتكبت على الساحة الإسلامية العمل بعكس قاعدة (ليس كل ما يعلم يقال) بل بسياسة (التفكير بصوت عال) وبسياسة كشف كل المواقع والأهداف والخطوات القريبة والبعيدة، وهذا كله مخالف للنهج النبوي الذي كثيراً ما أكده الرسول (ص) بقوله: (استعينوا على قضاء الحوائج بالكتمان) وفي القرآن الكريم إشارات كثيرة إلى هذه المعاني منها وصية يعقوب (ع) لبنيه: (وقال يا بني لاتدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة وما أغني عنكم من الله شيئاً) وهذه إشارة من نبي من أنبياء الله إلى ضرورة الأخذ بكل أسباب الحيطة والحذر وعدم كشف القوى والأشخاص.. والأمثل في كل الأحوال الالتزام بقاعدة (علانية العمل وسرية التنظيم) وصدق الله تعالى حيث يقول: (يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعاً).
    والحقيقة أن سياسة العمل في نقطة الضوء، أو بالعبارة الدارجة (على المكشوف) أدت إلى كشف وتعرية هذه الفئات، مما ساعد على رصدها ومعرفة تفصيلات تحركاتها واستكشاف رجالها وقياداتها وقواها جميعاً... فكل شيء أصبح علي السطح وعبر وسائل الإعلام دون أدنى تحفظ.. وهذا بالنتيجة خطره كبير وشره مستطير. ولقد أكدت الأيام والأحداث بعد ذلك صحة ذلك، ولكن بعد فوات الأوان وخراب البصرة.
    6 ـ انعدام الوعي السياسي:
    قد يظن البعض أن الإيمان يغني عن الأخذ بالأسباب، وعن الوعي السياسي، وعن التدبر والتبصر في الأمور. والحقيقة أن الإسلام يدفع ويحض على الأخذ بكامل الأسباب ومنها الوعي السياسي، واستكشاف الآفاق واستشفاف ظواهر الأمور وبواطنها.
    والحركة التي لاتمتلك الأجهزة والقدرات اللازمة التي تعينها على عمق النظر في القضايا، وعلى بعد النظر في الأمور، من أجل استكشاف حقائق السياسيات والمواقف والمواقع والصراعات المحلية والإقليمية والدولية، ومعرفة موقع كل حدث مما يجري على هذه الساحات والمستويات جميعاً، هي حركة لن تكتب لها الحياة، ولن يحالفها التوفيق، ولن تكون في خير وعافية، خاصة وأننا في عصر غدت فيه مصالح الدول والنظم والأحزاب والمؤسسات والأشخاص متشابكة متداخلة، وعملية التفكيك والتحليل واستخلاص النتائج ليست بالأمر السهل وتحتاج إلى جهود وإمكانات جبارة وأجهزة متخصصة.
    والحقيقة أن هذه الفئات لم يكن لديها الأفق السياسي، والمرجعية الذاتية التي تعينها على تقصي الحقائق، وتحديد التوجهات والسياسات السليمة الصحيحة، وهذا ماج علها تقع في كثير من التناقضات في المقولات والمواقف والتصرفات...
    وحسبي أن أتناول في هذه العجالة بعضاً من هذه السياسات التي إن دلت على شيء فإنما تدل على ضآلة في الوعي السياسي وعلى قصر نظر..
    أولاً: أعلنت هذه الفئات عداءها لكل الأنظمة والدول والتنظيمات والأحزاب دفعة واحدة وقبل أن تكون بنيتها وإمكاناتها قادرة على مواجهة ردود الفعل والتحدي من واحدة من هذه القوى، فكيف بها مجتمعة؟!.
    ثانياً: شنت هجوماً على نظام معين تجلى ذلك في خطب وتصريحات وبيانات متعددة، ثم عادت بعد ذلك تهادن وتلاين بل وتمتدح وتطري؟!.
    ثالثاً: عارضت بقوة وعنف فكرة تولي الجيش للأمن، وقامت من بعد ذلك بعدد من التصرفات العنفية لمنع الجيش من النزول، ثم ما لبثت أن وافقت ورحبت.
    رابعاً: تحالفت مع زعيم فلسطيني واشتركت معه في غرفة عمليات واحدة، ثم ما لبثت أن شنت عليه حرباً شعواء ووصفته بالخائن والعميل (كذا)!.
    خامساً: تصورت هذه الفئات أن إقامة الحكم الإسلامي أمر جد بسيط، وإن ذلك لايحتاج لأكثر من قوة مسلحة وشعارات ورايات وأمراء يحكمون الشوارع، إضافة إلى عدد من السجون والتعاونيات الإستهلاكية.. ولقد فاتها أن الحكم الإسلامي يجب أن يسبقه تغيير جذري للواقع الجاهلي، وإن يمهد له ويساعد عليه قيام بيئة قادرة على احتضان حركة التغيير الإسلامي، وعلى الدفاع عنها، وعلى إمدادها بكل متطلبات الصمود والاستمرار..
    إن الحكم الإسلامي لايمكن تحقيقه في مدينة مطوقة عسكرياً، محاصرة اقتصادياً، معزولة جغرافياً.. بل إن مجرد التفكير في إقامة حكم إسلامي في مدينة من المدن أو شارع من الشوارع ضرب من العبثية والسطحية.
    7 ـ اختصار الزمن:
    ومن السمات البارزة في أساليب وطروحات هذه الفئات أنها كانت حريصة على اختصار الزمن في عملية التغيير الإسلامي.. علماً بأن عامل الزمن له قيمته وأهميته في أية عملية تغييرية أو حتى خطوة تصحيحية.. فما يحتاج إلى عشر سنوات لايمكن اجتزاؤه بسنة، وما يحتاج إلى مائة عام لايجوز اختصاره بعشرة أعوام...
    والتغيير الإسلامي ـ بصورة خاصة ـ ليس عملية تجميلية أو شكلية، وإنما هو استبدال واقع بواقع، بكل ما في هذا الواقع من مرتكزات عقائدية وفكرية وتشريعية وقانونية وخلقية وحضارية. وعملية كهذه ينتظر أن تقف كل قوى الجاهلية في العالم دون تحقيقها ونجاحها، يجب أن تأخذ مداها من الإعداد وحاجتها من الاستعداد..
    8 ـ ضعف المستوى التربوي:
    ومن أسباب انهيار بعض الفئات الإسلامية ضعف المستوى التربوي، فهنالك خلل ما يجب أن يدفع لاستكشافه ومعالجته. فقد يكون من النهج التربوي، وقد يكون من المربي، وقد يكون من الاثنين معاً. ونجاح التربية مرتهن بسلامة المنهج وصلاحية المربي معاً..
    ثم إنه قد يتأتى ضعف المستوى المستوى التربوي من قصور في التخطيط أو خلل من خطط العمل، بحيث يتضخم جانب من جوانب العمل على الجوانب الأخرى. وقد يكون بسبب استنزاف الحركة في معارك جانبية لا طائل تحتها ولا فائدة منها، أو قد تستهلك كثيراً من طاقاتها في مشاريع لاتقع في الدرجة الأولى من حيث الأهمية والأولوية.
    إن ضعف المستوى التربوي هو الخرق الذي يمكن أن تدلف منه كل العلل والأوبئة والمشكلات إلى جسم الحركة، وهو الذي يفتح الباب على مصراعيه أمام الفتن.
    إن ضعف التربية يعني تدني مستوى التقوى والورع.. يعني ضعف قوامة الشريعة على السلوك والأعمال والأقوال والتصرفات عموماً، وهذا يؤدي بالنتيجة إلى السقوط في حبائل الشيطان وشرك الهوى ومضلات النفس الأمارة بالسوء، مما فيه هلكة الفرد والجماعة..
    9 ـ احتراف النقد والغيبة والنميمة:
    ومن عوامل الفتن التي تشق الصفوف وتنقض الغزل، وتأتي على البنيان، احتراف النقد وامتهان الغيبة والنميمة، وتتبع العورات، وتطاول الألسن، وشيوع ذلك وانتشاره واستساغته وعدم استرذاله، بحجة تصحيح الأوضاع، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر..
    هذا الداء العضال ابتليت به الحركات الإسلامية على امتداد الساحة محلياً وإقليمياً ودولياً، وكان من نتيجته في كل حين: إحباط النفوس، وتصد؟ع الصفوف، وفقدان الثقة، وانكشاف الضعف أمام العدو..
    من هنا كان التحذير القرآني والنبوي من هذه الآفة قوياً وصارخاً. فقال تعالى: (لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لايجاورونك فيها إلا قليلاً * ملعونين أين ما ثقفوا، أخذوا وقتلوا تقتيلاً * سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلاً).
    10 ـ اهتزاز الثقة بالقيادة:
    ومن العوامل المساعدة على تصدع الحركات وحدوث الانشقاقات، اهتزاز الثقة بالقيادة، بما يجرح جدارتها وأهليتها، أو ينال من استقامتها ومصداقيتها لدى القاعدة.
    وقد لايترتب على هذا الأمر شيء خطير وشر مستطير لو أن هذه القيادة أخلت موقعها لغيرها، وانسحبت من تلقاء نفسها، إذن لسلم البنيان من الأذى والتصدع.
    إلا أنه في بعض الأحيان يكون العكس هو الصحيح، فيتشبث القائد بمنصبه ويستغل موقعه أبشع استغلال.. فيقيم المحاور، ويحرك الصراعات ويديرها، ويحوّل مجاري الخلافات لينجو هو ولو هلكت الجماعة بكاملها، نعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، وصدق رسول الله (ص) حيث يقول: (إن الأمير إذا ابتغى الريبة في الناس أفسدهم).
    وفي حالة أخرى، قد تكون القيادة فيها مظلومة، والخروج عليها محض افتئات وافتراء، وتعسف واجتراء. ومع كل ذلك فإنه يحسن بالقيادة أن تحيل القضية إلى جهة ثالثة لفصل الخطاب. فتكون بذلك في مأمن من اللوم والعتاب، وأبعد عن الشبهة والحساب.
    إن القيادة كي تبقى في مأمن من سهام النقد والتجريح، وتبقى قيادة بالمعني الصحيح، لابد وأن تكون في منأى عن الشبهات، وبخاصة ما يتصل منها بالشؤون المالية. وعليها أن تكون الأزهد والأبعد عن كل ما يشتم منه رائحة النفعية. وصدق رسول الله (ص) حيث يقول: (إزهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس).
    11 ـ نشوء مراكز قوى مختلفة:
    ومما يتسبب بالشقاق والإنشقاق قيام مراكز قوى متعددة في الحركة، إضافة إلى ضعف في القيادة يحول بينها وبين ضبط النزاعات، وتحقيق التوازنات، ولجم النوازع والتطلعات، وحسم الخلافات والصراعات..
    وأسباب نشوء مراكز القوى متعددة وكثيرة.. فقد يطغى الجانب السياسي ويتعاظم شأن القائمين به أشخاصاً وممارسات...
    وقد يطغى الجانب العسكري فيتولد في المسؤولين عنه شعور العجب والفوقية، كما حصل يوماً بالنسبة للجهاز الخاص في مصر، وتسبب بأسوأ المشكلات، حيث دفعت الحركة بنتيجة ذلك ثمناً باهظاً، وكان مدخلاً إلى محنة مريرة عاتية..
    ومن الأسباب وجود عوامل الكبر والغرور في النفوس، أو حب العظمة وتسلق جدران الزعامة بأي ثمن. فإذا توافق ذلك مع ظرف من الظروف، قويت هذه العوامل ونمت وبلغت مرحلة اللاعودة، حيث يُصاب أصحابها بداء العتو والشموخ الذي أصيب به إبليس حين قال: (أنا خير منه، خلقتني من نار، وخلقته من طين).
    ويجوز أن تسحب البيعة من قيادة جاهرت بالكفر والفسوق، وانهارت الثقة بها، وبات ضررها أكبر من نفعها بإجماع الثقاة من أهل الحل والعقد ممن اختاروها وولوها. أما الخروج على القيادة، وتشكيل المحاور، وإيغار الصدور، والتحريض على الفتنة والأذى والعدوان، فإنه من مُضلات الهوى ونزغات الشيطان، وليس له في شرع الله دليل أو برهان..
    والقيادة لها الحق الشرعي في أن تحارب أو تهادن أو تحالف حسب المصلحة ومقتضى الضرورة، شرط أن يكون ذلك بعد تمحيص الآراء والاستشارة.
    وللقيادة الخيرة في الأخذ بواحدة من هذه السياسات، واستحسان وتفضيل بعضها على بعض بحسب اجتهادها وتقديرها، كما أن على الأفراد أن يلتزموا اختيارات القيادة ولو كانت مخالفة لآرائهم وقناعاتهم، إلا أن يروا فيما اختارته القيادة وقررته خروجاً على الإسلام، وتعريضاً واضحاً بمصلحة المسلمين، وعندئذ يتعين عليهم مكاشفتها بالدليل الشرعي والحجة والبينة، وفي حدود آداب التواصي بالحق وأصول النقد المباح.
    12 ـ فشل الحركة أو هزيمتها:
    ومما يتسبب بالخلاف والشقاق، ويُفضي إلى الإنشقاق، فشل الحركة في قضية ذات أهمية، أو انهزامها في معركة، وبخاصة إذا تمحور السبب بالقيادة، وكانت أصابع الإتهام مشيرة إليها لوحدها. فهنا تتحرك في النفوس أهواؤها ويُبتعث ما دُفن وعفى عليه الدهر من سَقطات وأخطاء، وكأنها فرصة العمر وسانحة الدهر، يجب اهتبالها؟.
    فتُنسى في تلك اللحظة المعاني الشرعية كلها.. فلا موضوعية ولا تثبت، وإنما هوى متحكم، ونفوس مشرئبة، وفتنة هائجة يرتع فيها إبليس على هواه والعياذ بالله تعالى.
    وفي غفلة من النفس، وانسياق مع الشيطان ينسى الأخ أخاه. ينسى (إن المسلم أخو المسلم لايخونه ولا يكذبه ولا يخذله) وأن (كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه).
    ينسى كل ذلك ويتحول وحشاً كاسراً ينهش إخوانه دون مخافة من الله أو استحياء منه تعالى.. ألا قتل الإنسان ما أكفره..
    إن اختلاف الأولين والذي وصل إلى حد الاقتتال لم يُخرج هؤلاء عن أدب الإسلام في الخلاف. فالخلاف بين علي ومعاوية على شدته لم يخرج واحداً منهما عن طوره وأدبه. فقد أخرج أبو نعيم عن أبي صالح قال: دخل ضرار بن صخرة الكناني على معاوية، فقال له: صف لي علياً! فقال: أو تعفيني يا أمير المؤمنين؟ قال: لا أعفيك. قال: أما إذا لابد، فإنه والله بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلاً، ويحكم عدلاً، ويتفجر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواصيه. يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل وظلمته، كان والله غزير العبرة (الدمعة) طويل الفكرة، يقلب كفيه ويخاطب نفسه. يعجبه من اللباس ما قصر، ومن الطعام ما جشب (خشن). كان والله كأحدنا، يدنينا إذا أتيناه، ويجيبنا إذا سألناه. وكان مع تقربه وقربه منا لانكلمه هيبة له. فإن يبتسم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم، يُعظّم أهل الدين ويحب المساكين. لايطمع القوي في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله. فأشهد بالله لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه، يميل في محرابه قابضاً لحيته، يتململ تململ السقيم، ويبكي بكاء الحزين فكأني أسمعه وهو يقول: يا ربنا يا ربنا، يتضرع إليه، يقول للدنيا: إليّ تعرضت؟ إليّ تشوفت هيهات هيهات، غري غيري. قد بنتك ثلاثاً (أي طلقتك) فعمرك قصير ومجلسك حقير، وخطرك يسير، آه آه من قلة الزاد، وبُعد السفر، ووحشة الطريق.
    فوكفت دموع معاوية على لحيته ما يملكها، وجعل ينشفها بكمه، وقد اختنق القوم بالبكاء. فقال معاوية: كذا أبو الحسن رحمه الله...

      مواضيع مماثلة

      -

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس مارس 28, 2024 4:01 pm