من طرف ليث العرين الثلاثاء مارس 25, 2008 1:51 pm
بسم الله الرحمن الرحيم
مما قيل في احمد الهادي رضوان الله تغشاه
اخوه السيد بسام الهادي:-
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين ....
إن من نعم الله العظيمة أن جعل منا أشخاصا هداة رأينا حياتهم ورأينا أعمالهم وسيرهم على الطريق ووصولهم إلى الهدف العظيم ونحن لا نزال على الطريق إن هذه النعمة تستحق منا أن نتأملها جيدا لأنها قد لا تتكرر مرة أخرى بل قد تتحول إلى لعنة تحيط بالجميع إذا لم نستوعب أهدافها والحكمة منها .
لقد كانت وفاة أخي احمد رحمه الله بما اقترن بها من الأمور بمثابة آية جعلها الله لنستنير بدلالاتها للوصول إلى الهدف المقدس وكما قال احمد في بعض كتاباته :(وأظن أننا إذا أردنا أن نلمس الجوزاء بأيدينا وأن نضع أقدامنا على الثريا يجب علينا أن نعرف كيف فعل هذا غيرنا ؟وما هي الطريقة أو الوسيلة التي اتخذوها للوصول لمرادهم؟) .ها هو أحمد يلمس الجوزاء بيديه ويضع قدماه على الثريا ومن أراد أن يصعد إلى أحمد فعليه أن يبحث عن سبب رقي أحمد إلى ذلك المرتقى الصعب وعليه أن يسلك نفس السبيل الذي سلكه .
كان أحمد شابا مواظبا على المسجد من بداية بلوغه يحضر مجالس العلم ويخالط طلبته ثم أصبح واحدا منهم التقى بعدد من الأساتذة والعلماء الأفاضل،
فتطبع بأخلاقهم واستنار بأفكارهم وأنظارهم كان أحمد شديد التأمل فيما يجري حوله يحلل ويستنتج ،
كان كثير الصمت لايتكلم إلا جوابا لا يكثر المزاح و لقد عشت معه مئات الأيام فلم أسمع منه كلمة فاحشة ولا بذيئة ،
كان أحمد يمتلك عقلا كبيرا ونظرة عميقة يفتقدها العديد من أكاديميين،
كان يرى أن الاهتمام بشؤون الآخرين والعمل على إرشادهم و إصلاحهم جزء هام جدا من مهام الشاب المسلم ،
كان أحمد يرى انه لابد أن يكون لديه قدر كبير من العلم يجعله مؤهلا لتعليم الآخرين وترسيخ مبادئ الدين في المجتمع فيكون ممن دعا إلى الله على بصيرة :(قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني) ،
كان يرى أنه لا بد أن يكون لديه طاقة روحية عالية تجعله على اتصال دائم بالله فلا يخطو خطوة إلا لله،
كان احمد يهتم بفهم ذاته واكتشافها وأيضا فهم الآخرين وكان يهتم بتنمية قدراته الذاتية وكان يتعلم دائما كيفية التعامل مع الآخرين والتأثير عليهم ،
كان يقرأ في كتب التنمية الذاتية وكان يقرأ أيضا في كتب الدعوة والدعاة ،هذا كله بالإضافة إلى العلوم الشرعية التي كان يعتبر ضرورة تعلمها أمرا لا نقاش فيه لأن الدين لا يقوم إلا بتعلمها،
كان أحمد شابا متكاملاً يتمتع بذهن ثاقب كانت أخلاقه عالية له ابتسامة كثيرا ما ترتسم على وجهه،
كان وصولا لرحمه كثير السؤال عن أحوالهم ،
كان يهتم بإخوانه وزملائه يفكر كثيرا في أحوالهم وحل مشاكلهم كثيرا يسعى في خدمتهم يخدمهم وقلبه مغمور بالسعادة،
كان يحب أن يسعد الآخرين ،
كان أحمد كثيراً ما يتخفى عند فعل الطاعات كأنه يتخفى لفعل معصية ،استمر أحمد على هذه الحال حتى آخر لحظه لم ينقص بل كان يزيد يوما بعد يوم .
شعر أحمد في العقود الأخيره من أيامه أنه بحاجة إلى فترة من الزمن يختلي فيها مع الله عز وجل حتى يصل إلى شيء ما ، فقرر أن ينعزل في غرفة مستقلة عن المنزل تبعد عنه بضعة أمتار كان يقضي فيها أكثر وقته وخاصة في الليل ، لم نكن ندري ماذا يفعل هناك ؟؟ أصبح في تلك الفترة نادرا ما يتحدث إلينا ولقد كنت أتلهف للجلوس إليه ومحادثته ولكنني لم أكن أتجاسر أن أطلب منه ذلك لأنني كنت أراه منشغلاً بأمر هام شغل كل تفكيره !!! كان إذا تحدث إلينا لم يتعدى حديثه بضع كلمات يلقيها على عجل ، لقد كان يمسح مرآة قلبه لتتجلى له فيها الشمسُ التي لا تغيب والنور الذي لا تأتي بعده ظلمه ،
أخبرني أحمد ذات مره أنه مرت عليه فترة من الزمن ــ وهي قبل عامين من وفاته ــ كان يختلي فيها مع نفسه في مكان ضيق على سطح منزلنا كان يقرأ فيه القرآن ويتأمل فيه ويتفكر في خلق السماء، وكان يقرأ في نهج البلاغة والوافد على العالم و بعض الكتب الأخرى، قال: إنه كان أحيانا يتعمق في التفكير حتى يصل إلى حالة رهيبة كان لا يستطيع الاستمرار فيها ،كان يحس أنه يريد أن يهرب من شيء ما وقد أشار أحمد إلى هذا في بعض كتاباته حيث قال :(يؤسفني أن أقول أننا نعيش حياة جافه لا روح لها ،كل حياتنا وكلامنا وحركاتنا جافه ، بعيدون عن الله هذا إذا لم يكن الله هو الذي أبعدنا عندما لم يجد فينا الشيء الذي وجده في من أنار طريقهم ووفقهم لما يحبه ،حتى الآن لم أقف على هذا الشيء ولكني متأكد من وجوده في حياتهم وغيابه عن حياتنا ومتأكد أنه لا نجاة لنا الا به وأيضا لا نجاح لنا في الدنيا بغيره ،كلما أمسكت بطرف منه رأيت طرفا آخر وكلما دخلت فيه دخل الخوف قلبي وجعلني أتراجع لأنني أرى بحرا عميقا لا أستطيع ألغوص فيه وان كان لابد من ذلك ) لقد رأى أحمد هذه ألمرة أنه لابد أن لا يتراجع سيفوض في بحر الملكوت الواسع ،لن يبالي بشيء ،لقد قرر أحمد أن يخرج من عالم الأموات ويد خل عالم الأحياء قرر أن يكون حيا حتى لو خسر الناس جميعا بسبب موتهم فالحي لايبقى بين الأموات لم يقرر أحمد ذلك فحسب بل انطلق بكل ثبات وعزيمة نحو الحياة .
إنني لما تأملت في كيفية وفاة أحمد وتوقيتها وما اقترن بها من الأمور، تذكرت تلك العبارات التي كانت من أخر ما ناجى أحمد به ربه ففي يوم عرفة دخل أحمد إلى محرابه وصلى العصر ثم توجه بقلب طاهر نقي حي إلى الله بعد أن أغلق الباب على نفسه واخذ صحيفة جدة زين العابدين (ع) وفتح على دعاء يوم عرفة ... وأخذ يردد تلك العبارات التي تهتز لعظمتها الجبال الشامخة رددها أحمد بقلبه قبل لسانه, لقد كان يخاطب الله حقا!! من تلك العبارات: (... وبلغني مبالغ من عنيت به وأنعمت عليه ورضيت عنه فأعشته حميدا أو توفيته سعيدا ... )،(فأحيني حياة طيبة تنتظم بما أريد وتبلغ ما أحب من حيث لا آتي ما تكره ولا أرتكب ما نهيت عنه و أمتني ميتة من يسعى نوره بين يديه وعن يمينه ...),(وجاور بي الأطيبين من أوليائك في الجنان التي زينتها لأصفيائك وجللني شرائف نحلك في المقامات المعدة لأحبائك واجعل لي عندك مقيلا أوى إليه مطمئنا ومثابة أتبوأها وأقر عينا ..)
ما أسرع استجابة الله تعالى لدعوات المخلصين وأعطفه على المحبين وأشد قربه من المتقربين .
انتهى أحمد من مناجاته وخرج من محرابه مع غروب شمس يوم عرفه وكانت هذه هي آخر لحظاته في مكان الخلوة كان أحمد في ليلة العيد وما بعدها مختلفا عما كان عليه قبلها فأصبح يجلس معنا ويحدثنا وذهب لزيارة أرحامه وأقاربه واتصل بأصدقائه كان يبدوا سعيدا مبتسما في أكثر أوقاته وفي الليلة الأخيرة دعا بعض أصدقائه وتحدث مع والده وإخوته وخرج لزيارة خالته ثم عاد إلينا واحضر لنا العشاء والحلوى وجلسنا سويا نتحدث أنا وهو وثلاثة من أصدقائه كان أحمد سعيدا يضحك ويمزح ، فتح أحمد جهاز الكمبيوتر لأصدقائه واختار لهم الحلقة التي فيها استشهاد الأمام علي (ع) وهي الحلقة الأخيرة من المسلسل ، ثم فتح لهم الحلقة الأولى من مسلسل أصحاب الكهف ، شعر أحمد بالنعاس فاضطجع على جنبه الأيمن مستقبلا القبلة ولم تمض ساعات حتى نزل موكب عظيم من الملائكة ؛ لتزف روحا طاهرة ، مشتاقة عاشقة، إلى دار الحياة، إلى دار يجتمع فيها الأحياء ... الأحياء فقط.
ذهبت روح أحمد إلى هناك ؛لأنها روح بحثت عن الحياة وسارت في طريق الأحياء بل وجددت الأمل للأموات في الحياة و دعتهم إليها ... { إعلمو أن الله يحيي الأرض بعد موتها ...},
{ ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق}.
فما رأيكم ؟!! ألم يأن الأوان ؟ أم أن الأفَضل أن ننتظر حتى تموت أجسادنا أيضاً فنقول :{رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت }
إذا كنا سنندم حتما فما رأيكم أن نندم الآن ...؟
لا تقل كيف أصل ...؟ فها هم الأبطال يصلون أمامك، وما عليك إلا أن تتبع آثارهم ، و تذكروا دائماً قول الإمام زين العابدين (ع) في دعاء السحر :
( وأعلم انك للراجين بمرصد إغاثة،
وأن في اللهف إلى جودك والرضا بقضائك عوضا عن منع الباخلين،
و مندوحة عما في أيدي المستأثرين،
و أن الراحل إليك قريب المسافة ،
و أنك للراجين بمرصد إغاثة، و أنك لا تحتجب عن خلقك إلا أن تحجبهم الأعمال دونك ...
يا حبيب من تحبب إليك،
ويا قرة عين من لاذ بك و انقطع إليك )..
و ويل لنا إن لم نقف خطاك ..!!.
كذب من ادعا حبك و لم يسر في خطك...!!
و كذب من بكى لفراقك و لم يسع إلى لقائك ...!!!
السلام عليك من تقي ما أخفاك ... و زكي نفس ما أزكاك ...
السلام عليك يا من فارقتنا السعادة بفراقه ...
السلام عليك يا من لا خير في الحياة بعده ...
السلام عليك يا من كان محياه و مماته لله ...
السلام عليك ما أقبح الدنيا بعدك..
السلام عليك ما أصفا قلبك ...
السلام عليك ما أِشد إخلاصك ...
السلام عليك ما أسرع وصولك...
السلام عليك مااشد أنسنا بالأمس بك...و أشد شوقنا اليوم إليك...!!
السلام عليك من أخ لا يعوضه الناس أجمعين... و لاتنسيناه الأيام و السنين...
السلام عليك وعلى الأرواح التي جاورتها...
اللهم إنك أرحم بأخي أحمد مني ومن والديه فاجعله في الدرجة التي ترضاها لمن أحببته و اصطفيته و قربته منك و اجتبيته ...
اجعله مع نبينا محمد و أهل بيته صلواتك عليهم أجمعين...........
واجمعنا بهم في رغد العيش و محل الكرامة ...
اللهم و اهدنا إلى ما هديتهم و خذ بأيدينا حتى نصل إليك...
اللهم إنك خلقتنا لك... فاجعلنا لك
و في الأخير أعزي كل من عرف أخي أحمد و خاصةً أصدقاءه وأحبابه و كل من تعلق قلبه به و أقول لهم:
إن أحمد لم يمت ولكنه و صل قبلنا فقط و هو الآن ينتظرنا هناك... فهل أنتم مشتاقون إليه ؟!!
في الأخير لا أنسى أن أشكر كل من كتب في هذا الموضوع أو شارك فيه وبالأخص أولائك الذين فرقتنا عنهم غِير الزمان
و الله إن الشوق اليكم لشديد ..
وإن مما يثير الدهشة أن الأجساد لا تزال تتحرك بعد مفارقة الأرواح.
وباسم أحمد اطلب المسامحة له من الجميع و أطلبها أيضأً لنفسي
والحمد لله رب العالمين .